Thursday, July 19, 2007,2:42 AM
مــيــكـــانـــــو
مساء آخر .. أجلس فى حجرتى كالعادة .. أذاكر كالعادة
حين يصبح كل شىء كالعادة ..تصبح الحياة لا تطاق ..
يعرف ما أقول كل من يضطر للمذاكرة فى هذا الوقت من العام
.
أقف فى المطبخ على غير العادة لاعداد كوبا من القهوة الأثيرة .., غالبا ما تعدها أمى .., ولكننى أشعر بحاجتى لتغيير جو المذاكرة بفعل أى شىء
.
قهوتنا بالحبهان .., أحبها كثيرا .., لكى أكون صريحا أحب رائحة القهوة أكثر من طعمها .., أضيف قليلا من القرنفل إلى القهوة .., يعطيها نكهة مميزة
.
قليلا من السكر وتصبح القهوة جاهزة للتسخين .., أضع السكر وأقلب .., أستدعى من الذاكرة موسيقى أوبرا كارمن .., أتخيل أننى المايسترو .., تهتز يدى بالملعقة على النغمات الموسيقية .., أبدأ فى الاندماج مع اللحن .., يقطع إستمتاعى صوت التلفاز المرتفع فى الصالة
متحادثان غبيان يتبادلان الاتهامات بشأن ما يجرى فى العراق ..,وكلا منهما يتهم الاخر بأنه غبى .., أتفق معهما فى هذا الأمر.. لا أريد أن يقطعا على نشوتى الان .., أقوم برفع صوت الموسيقى بداخلى لتطغى على الأصوات الخارجية
.
أضع القهوة على النار .., وأستأنف إدارة الفرقة الموسيقية .., تعجبنى قدرتى على التنسيق بين هذا الحشد من الموسيقيين .., ينبغى أن أعمل كمايسترو فى أوقات فراغى
.
للنار قدرة غريبة .., تدفعك للتحديق بها والشرود بعيدا .., أركز فى اللهب الأزرق وأترك إدارة الأوبرا بعضا من الوقت .., يزدحم رأسى بخليط من الافكار العجيبة .., أحاول الإمساك بفكرة واحدة ولكننى لا أستطيع .., تيار جارف من الأفكار يجتاحنى وكلما حاولت التركيز فى شىء يتملص منى إلى شىء اخر .., رابط واحد كان يجمع أفكارى .., الحنين .., الحنين إلى شىء ما لا أدرى ما هو .., وصورة واحدة تلح على
.
لا أدرى لما تذكرت هذه الصورة الان .., صورة قديمة لطفل صغير .., عارى إلا من شورت أحمر صغير.., يقف على الشاطىء بإحدى المدن الساحلية لا أذكر ما هى .., ينظر إلى الكاميرا نظرة غريبة .., لم أستطع تفسيرها حتى الان
كلما دققت فيها النظر.. هذا الطفل هو انا
.
يقطع أفكارى صوت غليان القهوة وانسكابها .., أنظر إلى القهوة المسكوبة بابتسامة..لهذا السبب لا أقف فى المطبخ الا نادرا .., أفكر فى إعداد كوب اخر بدلا من المسكوب .., ولكن لا أفعل فأنا لم اكن أريد أن أشرب شيئا على أى حال
.
أذهب إلى حجرتى وفكرة واحدة تلح على .., أفتح الدولاب وأبحث عنه .., لا ليس الشورت الأحمر بالتأكيد .., فبالتأكيد شورتى الأحمر العزيز قد اختفى كما تفعل جميع الملابس القديمة .., لا أعرف أين تذهب .., بالتأكيد تذهب فى الحملات التى تشنها أمى كل عام على الدولاب بحجة ترتيبه .., ولكن بالتأكيد هدفها الأساسى هو القضاء على ملابسى القديمة وارسالها إلى الجحيم السرى الذى لا أعرف مكانه حتى الآن .., أكتشف الأمر أحيانا حين أنظر لواحد من أبناء الجيران وأراه يرتدى شيئا من ملابسى القديمة .., أهم بالانقضاض عليه .., ولكننى أتراجع فى اللحظة الأخيرة .., وأنسحب مقهورا.., فهو لم يسرقه بالتأكيد .., الخيانة تأتى دائما من الداخل .., من قلب المنزل
.
لا لم أكن أبحث عن الشورت الأحمر .., بل كنت أبحث عن صندوق الميكانو كما كنت أحب أن أسميه .., أو صندوق المكعبات كما يطلقون عليه .., تلك المكعبات التى يتم تركيبها سويا لصناعة أشكال كثيرة .., لعبتى المفضلة وانا صغير فى الوقت الذى لا أكون فيه فى الشارع
.
أجده بعد بحث شاق .. ذلك الصندوق الأصفر العزيز .., أحتضنه كما تحتضن الأم وليدها ..,أمسح عنه بقايا الأتربة .., أفرغ الصندوق على السرير..وأنظر إلى قطع المكعبات بسعادة جمة وابدا فى اللعب والتركيب ..و ..التذكر
.
نشوة الذكريات هيا ما كنت أريده .., أستمتع بما أفعله ..وأدندن .. فولا فولا ..بالوم بيلا .. قد تدخل أمى وترى هذا المشهد لتتأكد أن ابنها قد جن تماما .. , لا ألومها كثيرا فأنا نفسى بدأت أعتقد هذا الاعتقاد .., ولكننى لا أبالى .., أكمل اللعب .., والغناء .., طيرى طيييييييييييييرى ..ياااا عصفوووووووورة
.
مساء اخر هو .., ولكنه مختلف عن أى مساء .., مساء مغلف برائحة القهوة والذكريات .., و ..الميكانو


 
posted by zordeak
Permalink ¤