Saturday, January 27, 2007,12:16 AM
عــم أحمد خــليــل
.
.
.
من أتى منكم إلى شارعنا .., فلابد أنه قد رأى عم (أحمد خليل ) ..بشاربه الكثيف .., وصلعته التى تلمع فى الصيف.., وتتراكم عليها حبات العرق ..,صلعته التى كان يغطيها فى الشتاء ..بذلك الشال الأبيض ..ليحرمنا نحن أطفال الشارع من مصدر بهجتنا الأثير
حين كنا نتراهن .. من منا يستطيع إصابة صلعته بالنبلة .., حينها كان يطاردنا دون نية حقيقية فى إيذاء أحد
.
.
لا يعلم أحد منا على وجه التحديد متى ظهر عم (أحمد ) فى شارعنا .., ربما كان هناك قــبل أن نولد.., لا يخبرنا الكبار هذه الأشياء ..فنحن أطفال لا نفهم بالنسبة لهم
.
.
لم تكن له مهنة معينة .., ولكنه كان يقوم بأى شىء يطلب منه .., بمقابل بسيط .., من حين لآخر تناديه إحدى النسوة ليشترى لها شيئا .., حينها كان يخبط الأرض بقدمه ..ثم بصوته الجهورى يصيح ..أفنــــــــــــدم .., ثم يهرع لتلبية النداء
يقال ان هذه العادة لازمته من الأعوام التى قضاها فى الجيش .., يعزز هذه الأقوال البالطو الكاكى الذى كان يرتديه دوماً.., والذى كان يعتز به كثيراً
.
.
يخبرنا (حاتم ) أن عم (أحمد ) قد أتى من بلدة بعيدة فى الصعيد .., حيث كل الناس هناك لهم نفس الصلعة اللامعة .., وحيث يتعامل الجميع مع الجان
يخبرنا (حاتم ) أن جنى من بلدة عم (أحمد ) قد غضب عليه .., وحمله وهو نائم .., وأتى به إلى شارعنا
يعرف (حاتم ) كل شىء .., فهو يكبرنا بعامين.., يجمعنا كل يوم ويخبرنا بالأشياء التى يخفيها عنا الكبار
.
.
.
مرات قليلة هى التى كان يغنى فيها عم (أحمد ) .., كان يجلس فى الطريق ..يسند صلعته على الحائط .., ثم يبدأ فى الغناء
غناء حزين عن بلدته البعيدة ..وعن شوقه إلى النخيل هناك .., وعن آلام الوحدة
كنا نتحلق فى دائرة حول عم (أحمد ) ونشاركه الغناء
.
.
يا نخل فى السما عالى ..نادى على الغايبين
نادى بصوت عالى ..الجلب صار مسكيــــن
لمّيت أنا عزالى ..شدّيت رحالى لفـــــــــين ؟
فرّحت عُزّالى ..والمر صـــار مريــــــــــن
.
.
كانت تلك من المرات القليلة التى شاهدنا فيها دموع عم (أحمد) .., قبل أن يقوم ليلبى نداء من ناداه .., غير ناسياً أن يخبط قدمه فى الأرض صائحاً..أفنـــــــــــدم
.
.
.
لـــم يكن لعم (أحمد ) أى أصدقاء .., فقط ذلك الكلب الأصفر الصغير .., وجده يوماً..جائعاً..بائســاً.., أعطاه بعضاً من طعامه القليل .., ومن يومها صارا أصدقاء .., لا يفترقان
.
.
لـــم يتوقف أهــل شارعنا كثيراً حين غاب عم ( أحمد ) ..,تكلمت النسوة يوماً أو يومين .., لم يبحث عنه أحد .., نسى الجميع عم (أحمد ) وكأنما لم يكن هناك
ولكننا نحن أطفال الشارع ..تذكرناه دوماً..بعد أن أخبرنا (حاتم ) .., أن الجنى قد رضى عن عم أحمد أخيراً حين استمع إلى غناءه .., وأنه قد شاهد الجنى يحمل عم أحمد ليلة اختفاءه .., ذاهبا به إلى بلدتهم البعيدة
صدقنا حاتم طبعاً .., فهو يعرف كل شىء
.
.
.
من يأتى منكم إلى شارعنا الآن ...., لــــن يجد عم (أحمد خليل ) .., لــن يجد صلعته اللامعة ..,ولا شاربه الكثيف .., ولــن يسمع من يصيح قائلا ...أفــــــــــــــــــندم
لــــــــــــن يجد سوى كلباً أصفر هزيل .., ينبح من الجوع .., ولا يهتم به أحـــد
 
posted by zordeak
Permalink ¤